الدكتور باسم عادل فى حوار طويل لمدة عام ونصف مع رجل الحرب والمخابرات وعالم السياسة والمال محمد غانم |
ويؤسرنى
تلخيص عقود طويلة من النضال.... فى كلمة وحيدة تصدرها ألسنة الكبار عن حياتهم... وهى
" حب الوطن "......... ويجعلنى أموت غيظا.... حين يتكلم صناع الحياة عن أنفسهم
بـ " القطارة"..... بينما يصرخ فى آذاننا كل لحظة من يدعون الحياة وهم أموات....
من يقولون أنهم عباقرة وهم تنابلة.... ومن يتجرؤن على وصف نهيقهم بالطرب.... وعريهم
بالفن.... وجهلهم بالإبداع !!!
وأندم
على الحياة... حين يسقط التاريخ بكل عمد ومع سبق الإصرار والترصد، قصص الأبطال
الحقيقيين وراء الأحداث... ويزج بهم لصفوف المؤخرة ليدفع بالأقزام نحو مجتمع الصف
الأول، فيصير أبطال الأمة...ملفقين...... مجرد أبطال من ورق... لأنهم من صناعة الأقلام
وليسوا من صناعة الأحداث !!!
وأعترف
أننى عانيت من أزمة شديدة وأنا أكتب هذه الكلمات، ومن قبل عانيت أزمة أشد وأنا أسطر
بقلمى صفحات هذا الكتاب، وسبب الأزمتين أن موضوع الكتاب يرصد فترة من تاريخ مصر الإقتصادى
والسياسى من خلال الدور الذى لعبته شركة النصر للتصدير والاستيراد على ساحة
البيزنس وفى حلبة المال والإقتصاد، وأيضا من خلال دورها فى المهام القومية ذات
الطابع السرى بإعتبار أن رئيسها ومؤسسها من رجال المخابرات المصرية... وتتبلور
الأزمة فى أن كل كلمة يجب أن تكتب عن تاريخ هذه الشركة... لابد وأن نذكر بجانبها إسم
الإقتصادى الكبير ورجل الحرب والمخابرات وعالم السياسة والمال " محمد غانم
"، والرجل يأبى ذلك ويرفضه بإصرار، ويرفض أن يتكلم عن نفسه وعن إنجازاته... ويقول
أن هذه الأحداث هى ملك لمصر وليست ملكا له... وأنه لعب دورا على الساحة، ولم يكن هو
" كل الساحة " !!....
ولكن
ماذا نفعل.... إذا كانت مصر لا تريد أن تتكلم !!!
وماذا
نفعل.... والشموع التى إحترقت من أجل أن تضىء لنا الطريق، كتبوا عليها أن يذكرها
التاريخ فى صورتها النهائية كشمعة محترقة فقط !!!
هل
نصمت.... وهل يرضى السيد محمد غانم.... أن يصمت.... وقد شارك بشكل مؤثر وبجهد لا
ينكر فى تحريك الإقتصاد المصرى فى مرحلة ميلاد مصر الجمهورية بعد زوال مصر الملكية؟
وإذا صمت الرجل تواضعا... وانزواءا... و ترفعا... فكيف نلوم شبابنا ونتهمه بالتفاهة
والسطحية... ومن صنعوا عمق تاريخ الوطن يكتفون بالصمت.....!!
لقد
فعلت المستحيل كى أخرج الرجل من صمته، وكانت البداية الأولى معه حين سجلت معه
حلقات إذاعية من تقديمى بعنوان " الرجل والمدفع " عن قصة حياته وكفاحه
الوطنى، ومن أول دقيقة أمام الميكروفون كان يقفز بالأيام والسنين والمواقف والبطولات
قفزا... حتى يأتى إلى الفترة الزمنية التى أسس فيها شركة النصر للتصدير والاستيراد
" محمد غانم وشركاه ".... كان متعطشا لأن يروى تجربته فى إدارة هذه
الشركة العملاقة، وكيف أنه وبصفة شخصية قام بمهام قومية وطنية بتكليف مباشر من
الرئيس جمال عبد الناصر من خلال موقعه " كشاه بندر التجار " كما كان
يطلق عليه فى ذلك الوقت...
و
أصابتنى الدهشة – رغم إحترامى لتجربته مع شركة النصر – فكيف يمر الرجل مرورا سريعا
على محطات خطيرة فى حياته وهو يسرد لى سيرته الذاتية، رغبة فى الوصول إلى محطة حياته
فى شركة النصر، كيف يمر مرورا سريعا على كونه فدائى له وزنه فى التاريخ الحديث
للقوات المسلحة المصرية !! وكيف يظهر كالبرق على تاريخه المشرف فى سجل المخابرات
العامة المصرية؟ وكيف يعدو كخيل السباق على كونه كاتبا ومثقفا وفنانا وإعلاميا ورجلا
واعدا من رجال الصناعة والإقتصاد؟!
و
أخيرا... عرفت السبب... حين وصلت مع سيرته الذاتية لمرحلة شركة النصر للتصدير والاستيراد...
وكنت أسمع ذكرياته عنها وكأننى أستمع لقصيدة رائعة تشدو بها كوكب الشرق، وكنت ألمح
فى عينيه بريقا أثق فى أنه يمد فى عمره الذى تجاوز الثمانين وهو يستمد ذلك البريق
من رحلته الناجحة فى عالم التجارة والمال، وتخصصه فى تنفيذ جزء من الخطة القومية للثورة
وللرئيس جمال عبد الناصر فى أفريقيا بما يساند به الحركات التحررية فى القارة
السمراء فى حقبة ما قبل وما بعد الإستقلال.
و أعترف أننى بالفعل منزعج من كتبة التاريخ، فحين
بدأت أبحث فى كتب ومدونات التاريخ عن شركة النصر للتصدير والاستيراد... لم أجد
شيئا مطلقا، حتى على شبكة الإنترنت..... وربما وجدت موقعا إلكترونيا لايكفى عن
الشركة فى وضعها الحالى..... وربما أجد مبررا لعدم حصولى عن معلومات عن السيد محمد
غانم فى كتب التاريخ ـ على الأقل تاريخ الثورة ـ فالرجل كما قلت لا يحب الحديث عن
نفسه، ولكننى لم أجد مبررا لتاريخ أمة يسقط من ذاكرته " شركة النصر للتصدير والاستيراد
" بما صنعته من إنجازات على الصعيد الوطنى والعربى والأفريقى والدولى فى
مرحلة ما بعد قيام ثورة يوليو وحتى منتصف السبعينات، وربما يستطيع القارىء لصفحات
هذا الكتاب أن يدرك تلك الحقيقة الدامغة مع قراءته المتعقلة والواعية.
و
عندما عرضت – بروفة – الكتاب الأولى على السيد محمد غانم إنزعج مما كتبته عن دوره فى
الأحداث، ولكننى بادرته بطلب مفاجىء حين قلت له : أذكر لى حدث مما كتبت يمكن أن امحو
منه اسم محمد غانم.... فسكت الرجل، رغبة فى ألا يجهدنى، ولم يكن سكوته علامة من
علامات الرضاء على أى حال.
و
على صفحات هذا الكتاب، نتعرف على تجربة الإنسان المصرى بعد جلاء المستعمر وقيام
ثورة يوليو الثورة وعلى خطة الرئيس جمال عبد الناصر فى إقتحام مصر لعالم التجارة من
خلال موافقته على تأسيس شركة النصر للتصدير والاستيراد، وكيف لعبت هذه الشركة دورا
تاريخيا فى ترسيخ الدور المصرى فى أفريقيا عقب الثورة، رغم التحدى الإسرائيلى
الصهيونى الذى حاول بكل السبل – ومازال – أن يسيطر على القارة السوداء بكافة الطرق،
ولكنه وجد مصر كشوكة فى حلقه، وكان لشركة النصر ورئيسها وكوادرها وقياداتها
الوطنية المخلصة دورا هاما فى ذلك، بالإضافة إلى أن الرئيس جمال عبد الناصر والحكومات
المتعاقبة فى عهده كانت تعتبر شركة النصر للتصدير والاستيراد "حزام الامان"
بالنسبة للإقتصاد القومى والتجارة المتبادلة بين مصر وكافة دول أفريقيا، وأذكر أن السيد
محمد غانم ذكر لى أن شركة النصر فى عهده كانت تكلف بمهمة من مهام توفير وتعويض أى نقص
فى السلع والمحاصيل الإستيراتيجية لمصر فى وقت الأزمات، كما كانت الشركة مسئولة عن
تصدير الفائض الإنتاجى لشركات القطاع العام والخاص فى مرحلة ما بعد الثورة، وذلك للمساهمة
فى توفير العملة الصعبة اللازمة لمشروعات البنية الأساسية وتسليح الجيش وبناء السد
العالى وغيرها من المشروعات الوطنية ذات الطابع القومى فى ذلك الوقت.
و
الجديد فى هذا الكتاب أنه يكشف أدق الأسرار ويكشف ملفات جمال عبد الناصر فى عالم البيزنس
والإقتصاد والصراع العربى الإسرائيلى من خلال تجربة حية جرت أحداثها فى ردهات شركة
النصر للتصدير والاستيراد، خاصة وأن شهادة مؤسسها وأول رئيس لها تدعم بلا شك حقيقة
الأسرار والتجارب التى تكشفها صفحات هذا الكتاب.
و
معاناة أخرى عانيتها كثيرا... أننى آمنت بتجربة هذه الشركة العملاقة، وإعتبارها
نموذجا ناجحا يمكن أن يقتدى به كل مشتغل بالتجارة والمال وعالم البيزنس... بعيدا
عن الطرق الخلفية والملتوية... وعالم الفساد والرشوة والنفاق، فالنجاح يمكن أن يتحقق
وبإبهار عظيم دون حاجة لأن يصبغ أصحابه أنفسهم بصبغة الفساد والرياء والنفاق...
و
سبب المعاناة أننى أكتب مؤمنا ومقتنعا بتجربة حدثت فصولها فى عصر وعهد أختلف معه
كثيرا، والمطلوب منى الحيادية التامة والصدق والأمانة فى تناول الأحداث، وكما كان
السيد محمد غانم صعبا فى فتح صندوق أسراره، كنت أنا أيضا شديد الصعوبة ومدققا
ومستفسرا ومحاسبا ومنتقدا – إذا لزم الأمر – لكل حرف أو كلمة رواها لى هذا الرجل
الذى أحب كثيرا أن ألقبه بالمكافح الإنسانى.
إنها
تجربة لم يسجلها التاريخ من قبل، ونحن بهذا الكتاب نحاول أن نسجل هذه التجربة
المصرية الوطنية المتميزة، وأن نضيف للمكتبة العربية والعالمية والتاريخية عملا
نرجو أن يكون قيما، فما أشد حاجتنا فى هذه الأيام لأن نقدم لشبابنا تجارب النجاح
كى يقتدوا بها وتاريخ البطولات والأمجاد بشهادة ورواية من صنعوها.
د. باسم عادل
القاهرة مارس 2010
الحمد لله على إتمام هذا العمل التاريخى الهام
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته دكتور باسم من فضلك ارجو التواصل معك بخصوص كتاب تجربة للتاريخ
حذفارجو معرفة اين استطيع الحصول علي هذا الكتاب القيم لاني بحثت كثير و لم اجده ابداً
ردحذف